✍🏻 المعتزبالله ليث
من ضوابط العقل البشري الناضج أن يكون غير إمع لفرد بعينه، أي لا يكون متشبثا به لذاته، فلو أنك أحكمت عقلك السديد وسددت منطقك الصحيح لوجدت أن البشر على اختلاف بشرتهم وثقافتهم وما إلى ذلك كلهم ينتمون إلى أصل واحد، و يتفاوتون بما يميز البشر عن بعضهم وهي الأفكار بأي نعوتها دينية كانت أو سياسية أو اجتماعية وما شابهها.. ولو فندت كيان تلك الأفكار مجرد التفنيد لوجدت أن البشر يعيشون لها لا لأنفسهم ولو ألقيت بصرك حذاءَ حذائِك لعرفت أن كيان الفكرة أيضا هو من صنع الحضارات السابقة وهو ذاته المنتج للثقافات الحاضرة.
ولعل الإنسان قد ضبط الأفكار مسبقا وجدول معانيها ونسق كلماتها ليربط الأفراد بها وهذه سمة البشر الاهتمام بما يقود المُقاد وليس في ذلك تكرار إنما هو ضمان حال ليس إلا؛ فتجد رواد الأفكار يموتون ويأتي من يجدد لها ويصنع طرقا وتفاريعا من فكرة قد تكون في أصلها سبيلا يسيرة أو سلسبيلا معقدة .
في نهاية الأمر الأفكار البسيطة دون التجديد عادة ما تندثر .. فلما؟
إن كل فكرة أو معتقد وجب على مناصريه تعلمه بكل نواحيه وجوانبه وذلك يفضي إلى تدارس الأفكار المضادة والسمو بفكرتهم فيما قد يُنتقص من الأفكار الأخري خلاله، أي تدارس أسباب فشل بعض الأفكار بحيث يكون تجنب السبب نمطا لتجنب نتيجة الفشل ذاتها وفي هذا تطور وعلو، وبالمثل معرفة مداخل تطور فكرة ما، بحيث يكون ذلك بابا لعلو شأن الفكرة أيضا.
وقد يسول لك عقلك أن هذا ليس تجديدا بل نقل وقد يُطلق عليه سرقة ! ولعل السرقات هي ذخيرة التجديد في العصر الحديث وما عادت الأفكار تُجدَد إلا بها _على الأغلب _ بل أن الأفكار الآن صارت تُسرق من أصول أفكار أخرى إما اندثرت أو قلما انتسب إليها الناس.
ولست أدافع عن السرقة الفكرية أو أقدم قرابين التبرير لها ولكن لو علمت ما هي الوسيلة الأخرى التي تُشبِّث الجموع بالأفكار لاستنهنت بالسرقة أو النقل _ إن استلطفنا التعبير _ . فهلا سألت نفسك لما يتعصب المرء للفكرة ؟
إن التعصب للفكرة أحد أهم عوامل انتشار الفكرة خلال الأوساط الشعبية خاصة، ينشأ عنه اعتقاد تام راسخ أن ما دونها جرم وذلك لعلة ضعف الجذر الثقافي لدى الأفراد وتميع البعض للبعض منتجا سلسلة من الترابط في الأفكار، وكأن الأوساط الشعبية تتشارك جينيا الأفكار كما تتشارك فعليا العادات والتقاليد.
ويَشترِط عليك التعصبُ أن تكون سفيها تجاه الأفكار الاخرى حيث تقضم الأفكار المستجدة بشكل تقليدي إما إرضاء لنصرة فكرتك أو اعتقادا منك بأن ذلك واجب فطري عليك تجاه معتقدك الأم.
وعادة ما يكون هذا التعصب هجمة مرتدة إن لم يُقرن ببعض الليونة من أبناء ذات الفكرة أنفسهم.
✍🏻 المعتزبالله ليث