recent
أخبار ساخنة

يوميات بيجن: قراءة في تفاصيل الزعيم الصهيوني/شيفاتايمز

شيفاتايمز SHEFATAIMS





 يوميات بيجن: قراءة في تفاصيل الزعيم الصهيوني


حسين السمنودي


من بين الشخصيات التي شكلت مسار التاريخ الحديث للكيان الصهيوني، يبرز مناحم بيجن كأحد أكثر القادة تأثيرًا وجدلية. شخصية معقدة ومتناقضة، حملت يومياته الخاصة مفاتيح لفهم عميق لرؤاه السياسية وأهدافه الاستراتيجية، ومثلّت انعكاسًا واضحًا لعقلية الصهيونية التي قادت إسرائيل إلى تحقيق مكاسب ضخمة على الأرض السياسية والعسكرية.


مناحم بيجن، المولود في بولندا عام 1913، نشأ وسط مجتمع يهودي محافظ، قبل أن تأخذه رياح الحرب العالمية الثانية إلى السجون السوفييتية، ثم إلى فلسطين المحتلة. هناك، انضم إلى منظمات صهيونية مسلحة، وكان من أبرز قادة منظمة "الإرجون" الإرهابية التي ارتكبت مجازر بشعة ضد الفلسطينيين، مثل مذبحة دير ياسين. لاحقًا، تولى منصب رئيس وزراء إسرائيل في فترة شهدت تحولات كبرى، أبرزها توقيع اتفاقية السلام مع مصر عام 1979.


يوميات بيجن تعكس عقلية رجل مؤمن بمشروع استعماري لا يرحم. فهي ليست مجرد تدوينات شخصية، بل وثائق تفتح نافذة على عقلية مستعمر يسعى لتشكيل واقع جديد على حساب أصحاب الأرض الأصليين. تحمل هذه اليوميات تفاصيل عن لقاءاته مع قادة العالم، وتحليلًا لمواقف الدول الكبرى تجاه إسرائيل، كما تسلط الضوء على قراراته في أوقات الأزمات.


تعد مسألة المستوطنات من أبرز المحاور التي تطرقت إليها يومياته. تظهر هذه اليوميات كيف كان بيجن يرى في المستوطنات وسيلة لتثبيت السيطرة الإسرائيلية على الأرض الفلسطينية. كان يعتبر بناء المستوطنات خطوة استراتيجية غير قابلة للتفاوض، وهي سياسة لا تزال إسرائيل تتبناها حتى اليوم، مما يعكس أثر تفكيره طويل المدى.


أما في مجال السلام، فرغم توقيعه معاهدة كامب ديفيد مع الرئيس المصري أنور السادات، توضح يومياته أنه كان ينظر إلى السلام كأداة سياسية تخدم المصالح الإسرائيلية. بالنسبة له، كان السلام مع مصر مكسبًا استراتيجيًا يتيح لإسرائيل تحويل أنظارها ومواردها إلى جبهات أخرى، مع ضمان تحييد أكبر دولة عربية في أي صراع مستقبلي.


اليوميات تقدم أيضًا رؤية عميقة حول علاقته بالمؤسسة العسكرية والموساد. بيجن كان يدرك أهمية القوة العسكرية والاستخباراتية في تحقيق طموحاته السياسية. تشير يومياته إلى دور الموساد في تنفيذ عمليات معقدة في الداخل والخارج، وكيف كان يعتمد على هذه الأجهزة لتحقيق التوازن في علاقات إسرائيل الدولية وفرض الهيمنة الإقليمية.


على الرغم من الجوانب التي تبدو براغماتية في سياساته، إلا أن يومياته تكشف عن شخصية متطرفة تؤمن بالهيمنة المطلقة. كان بيجن يسعى إلى رسم حدود إسرائيل الكبرى، ولم يتردد في استخدام أي وسيلة لتحقيق هذا الهدف. بالنسبة له، كانت السياسة مجرد أداة أخرى للحرب، والحرب وسيلة لتثبيت ما يسميه "الحق التاريخي".


اليوميات لا تقتصر فقط على الجانب السياسي، بل تتناول أبعادًا شخصية لرجل كان يؤمن بقوة بفكرة "شعب الله المختار". تظهر اليوميات كيف كان بيجن يستمد شرعية قراراته من نصوص دينية، ويعتبر أن ما يقوم به هو تنفيذ لإرادة إلهية. هذا المزج بين السياسة والدين يظهر بوضوح العقلية الصهيونية التي ترى في القوة والسيطرة طريقًا لتحقيق النبوءات التوراتية.


في عالم اليوم، تقدم يوميات بيجن شهادة حية على طبيعة الكيان الصهيوني وأسلوب تفكيره. إنها تمثل مرجعًا مهمًا لفهم الكيفية التي تخطط بها إسرائيل لبناء قوتها واستمرارها. وبينما قد تكون هذه اليوميات بالنسبة للبعض مصدر فخر لزعيم صهيوني، يجب أن تكون بالنسبة لنا أداة لفهم الأعداء واستيعاب منهجهم في التخطيط والتنفيذ.


يظل مناحم بيجن رمزًا لعقلية استعمارية ماكرة، ويظل تحليل يومياته ضرورة لفهم الجذور العميقة للصراع العربي الإسرائيلي. إن قراءة متأنية لهذه اليوميات تكشف ليس فقط عن شخصية بيجن، بل عن مشروع كامل يهدف إلى إخضاع المنطقة لهيمنة إسرائيلية مطلقة.

google-playkhamsatmostaqltradent